<P align=right>أولاد عبدالمطلب وامهاتهم
<P align=right>قال ابن هشام : فولد عبدالمطلب بن هاشم عشرة نفر وست نسوة : العباس ، وحمزة ، وعبدالله ، وأبا طالب - واسمه عبد مناف - والزبير ، والحارث ، وحجلا ، والمقوم ، وضرارا ، وأبا لهب - واسمه عبدالعزى - وصفية ، وأم حكيم البيضاء ، وعاتكة ، وأميمة ، وأروى ، و برة .
<P align=right>فأم العباس وضرار : نتيلة بنت جناب بن كليب بن مالك بن عمرو بن عامر بن زيد مناة بن عامر - وهو الضحيان - بن سعد بن الخزرج بن تيم اللات بن النمر بن قاسط بن هنب بن أفصى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار . ويقال : أفصى بن دعمي بن جديلة .
<P align=right>وأم حمزة والمقوم وحجل ، وكان يلقب بالغيداق لكثرة خيره ، وسعة ماله ، وصفية : هالة بنت وهيب بن عبد مناة بن زهرة بن كلاب بن مرة ابن كعب بن لؤي .
<P align=right>وأم عبدالله ، وأبي طالب ، والزبير ، وجميع النساء غير صفية : فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر .
<P align=right>وأمها : صخرة بنت عبد بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر .
<P align=right>وأم صخرة : تخمر بنت عبد بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر .
<P align=right>وأم الحارث بن عبدالمطلب : سمراء بنت جندب بن جحير بن رئاب بن حبيب بن سواءة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة .
<P align=right>وأم أبي لهب : لُبنى بنت هاجر بن عبد مناف بن ضاطر بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعي .
<P align=right>قال ابن هشام : فولد عبدالله بن عبدالمطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم ، محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب ، صلوات الله وسلامة ورحمته وبركاته عليه وعلى آله .
<P align=right>وأمه : آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر .
<P align=right>وأمها : برة بنت عبدالعزى بن عثمان بن عبدالدار بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر .
<P align=right>وأم برة : أم حبيب بنت أسد بن عبدالعزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر .
<P align=right>وأم أم حبيب : برة بنت عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر .
<P align=right>قال ابن هشام : فرسول الله صلى الله عليه وسلم أشرف ولد آدم حسبا ، وأفضلهم نسبا من قبل أبيه وأمه صلى الله عليه وسلم .
<P align=right>قال : حدثنا أبو محمد عبدالملك بن هشام قال : وكان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حدثنا به زياد بن عبدالله البكائي ، عن محمد بن إسحاق المطلبي : بينما عبدالمطلب بن هاشم نائم في الحجر ، إذ أتي فأمر بحفر زمزم ، وهي دفن بين صنمي قريش : إساف ونائلة ، عند منحر قريش . وكانت جرهم دفنتها حين ظعنوا من مكة ، وهي بئر إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام ، التي سقاه الله حين ظمىء وهو صغير ، فالتمست له أمه ماء فلم تجده ، فقامت إلى الصفا تدعو الله وتستغيثه لإسماعيل ، ثم أتت المروة ففعلت مثل ذلك .
<P align=right>وبعث الله تعالى جبريل عليه السلام ، فهمز له بعقبه في الأرض ، فظهر الماء ، وسمعت أمه أصوات السباع فخافتها عليه ، فجاءت تشتد نحوه ، فوجدته يفحص بيده عن الماء من تحت خده ويشرب ، فجعلته حِسْيا .
<P align=right>أمر جرهم ودفن زمزم
<P align=right>قال ابن هشام : وكان من حديث جرهم ، ودفنها زمزم ، وخروجها من مكة ، ومن ولي أمر مكة بعدها إلى أن حفر عبدالمطلب زمزم ، ما حدثنا به زياد بن عبدالله البكائي عن محمد بن إسحاق المطلبي ، قال :
<P align=right>لما توفي إسماعيل بن إبراهيم ولي البيت بعده ابنه نابت بن إسماعيل ما شاء الله أن يليه ، ثم ولي البيت بعده مُضاض بن عمرو الجرهمي .
<P align=right>قال ابن هشام : ويقال : مِضاض بن عمرو الجرهمي .
<P align=right>بغي جرهم و قطوراء ، و ما كان بينهما
<P align=right>قال ابن إسحاق : وبنو إسماعيل وبنو نابت مع جدهم مضاض بن عمرو وأخوالهم من جرهم . وجرهم وقطوراء يومئذ أهل مكة ، وهما ابنا عم ، وكانا ظعنا من اليمن ، فأقبلا سيارة ، وعلى جرهم مضاض بن عمرو ، وعلى قطوراء السميدع ، رجل منهم . وكانوا إذا خرجوا من اليمن لم يخرجوا إلا ولهم ملك يقيم أمرهم .
<P align=right>فلما نزلا مكة رأيا بلدا ذا ماء وشجر ، فأعجبهما فنزلا به . فنزل مضاض بن عمرو بمن معه من جرهم بأعلى مكة بقعيقعان فما حاز . ونزل السميدع بقطوراء ، أسفل مكة بأجياد فما حاز . فكان مضاض يعشر من دخل مكة من أعلاها ، وكان السميدع يعشر من دخل مكة من أسفلها ، وكل في قومه لا يدخل واحد منهما على صاحبه . ثم إن جرهم وقطوراء ، بغى بعضهم على بعض ، وتنافسوا الملك بها ، ومع مضاض يومئذ بنو إسماعيل وبنو نابت ، وإليه ولاية البيت دون السميدع ، فصار بعضهم إلى بعض ، فخرج مضاض بن عمرو بن قعيقعان في كتيبته سائرا إلى السميدع ، ومع كتيبته عدتها من الرماح والدرق والسيوف والجعاب ، يُقعقع بذلك معه ، فيقال : ما سمي قُعَيْقعان بقعيقعان إلا لذلك .
<P align=right>وخرج السميدع من أجياد ومعه الخيل والرجال ، فيقال : ما سمي أجياد أجيادا إلا لخروج الجياد من الخيل مع السميدع منه . فالتقوا بفاضح ، واقتتلوا قتالا شديدا ، فقُتل السميدع ، وفضحت قطوراء . فيقال : ما سمي فاضح فاضحا إلا لذلك .
<P align=right>ثم إن القوم تداعوا إلى الصلح ، فساورا حتى نزلوا المطابخ : شعبا بأعلى مكة ، واصطلحوا به ، وأسلموا الأمر إلى مضاض . فلما جمع إليه أمر مكة فصار ملكها له ، نحر للناس فأطعمهم ، فاطَّبخ الناس وأكلوا ، فيقال : ما سميت المطابخ المطابخ إلا لذلك . وبعض أهل العلم يزعم أنها إنما سميت المطابخ ، لما كان تُبَّع نحر بها وأطعم ، وكان منزله . فكان الذي كان بين مضاض والسميدع أول بغي كان بمكة فيما يزعمون .
<P align=right>انتشار ولد إسماعيل و جرهم بمكة
<P align=right>ثم نشر الله ولد إسماعيل بمكة ، وأخوالهم من جرهم ، ولاة البيت والحكام بمكة ، لا ينازعهم ولد إسماعيل في ذلك لخئولتهم وقرابتهم ، وإعظاما للحرمة أن يكون بها بغي أو قتال . فلما ضاقت مكة على ولد إسماعيل انتشروا في البلاد ، فلا يناوئون قوما إلا أظهرهم الله عليهم بدينهم فوطئوهم .
<P align=right>بنو بكر وغبشان يطردون جرهما
<P align=right>ثم إن جرهما بغوا بمكة ، واستحلوا خلالا من الحرمة ، فظلموا من دخلها من غير أهلها ، وأكلوا مال الكعبة الذي يهدى لها ، وفرق أمرهم . فلما رأت بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة ، وغبشان من خزاعة ذلك ، أجمعوا لحربهم وإخراجهم من مكة . فآذنوهم بالحرب فاقتتلوا ، فغلبتهم بنو بكر وغبشان فنفوهم من مكة .
<P align=right>وكانت مكة في الجاهلية لا تقر فيها ظلما ولا بغيا ، ولا يبغي فيها أحد إلا أخرجته ، فكانت تسمى الناسَّة ، ولا يريدها ملك يستحل حرمتها إلا هلك مكانه ، فقال : إنها ما سميت ببكة إلا أنها كانت تبكّ أعناق الجبابرة إذا أحدثوا فيها شيئا .
<P align=right>قال ابن هشام : أخبرني أبو عبيدة : أن بكة اسم لبطن مكة ، لأنهم يتباكون فيها ، أي يزدحمون . وأنشدني :
<P align=right>إذا الشريب أخذته أكَّه * فخله حتى يبكّ بكَّه
<P align=right>أي فدعه حتى يبك إبله ، أي يخليها إلى الماء فتزدحم عليه . وهو موضع البيت والمسجد . وهذان البيتان لعامان بن كعب بن عمرو بن سعد بن زيد مناة بن تميم .
<P align=right>قال ابن إسحاق : فخرج عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي بغزالي الكعبة وبحجر الركن ، فدفنها في زمزم ، وانطلق هو ومن معه من جرهم إلى اليمن ، فحزنوا على ما فارقوا من أمر مكة وملكها حزنا شديدا . فقال عمرو بن الحارث بن عمرو بن مضاض في ذلك ، وليس بمضاض الأكبر :
<P align=right>وقائلة والدمع سكب مبادر * وقد شرقت بالدمع منها المحاجر
<P align=right>كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا * أنيس ولم يسمر بمكة سامر
<P align=right>فقلت لها والقلب مني كأنما * يلجلجه بن الجناحين طائر
<P align=right>بلى نحن كنا أهلها فأزالنا * صروف الليالي والجدود العواثر
<P align=right>وكنا ولاة البيت من بعد نابت * نطوف بذاك البيت والخير ظاهر
<P align=right>ونحن ولينا البيت من بعد نابت * بعز فما يحظى لدينا المكاثر
<P align=right>ملكنا فعززنا فأعظم بملكنا * فليس لحي غيرنا ثم فاخر
<P align=right>ألم تنكحوا من خير شخص علمته * فأبناؤه منا ونحن الأصاهر
<P align=right>فإن تنثن الدنيا علينا بحالها * فإن لها حالا وفيها التشاجر
<P align=right>فأخرجنا منها المليك بقدرة * كذلك يا للناس تجري المقادر
<P align=right>أقول إذا نام الخلي ولم أنم * أذا العرش : لا يبعد سهيل وعامر
<P align=right>وبدلت منها أوجها لا أحبها * قبائل منها حمير ويحابر
<P align=right>وصرنا أحاديثا وكنا بغبطة * بذلك عضتنا السنون الغوابر
<P align=right>فسحت دموع العين تبكي لبلدة * بها حرم أمن وفيها المشاعر
<P align=right>وتبكي لبيت ليس يؤذى حمامه * يظل به أمنا وفيه العصافر
<P align=right>وفيه وحوش لا ترام أنيسة * إذا خرجت منه فليست تغادر
<P align=right>قال ابن هشام : ( فأبناؤه منا ) ، عن غير ابن إسحاق .
<P align=right>قال ابن إسحاق : وقال عمرو بن الحارث أيضا يذكر بكرا وغبشان ، وساكني مكة الذين خلفوا فيها بعدهم :
<P align=right>يا أيها الناس سيروا إن قصركم * أن تصبحوا ذات يوم لا تسيرونا
<P align=right>حثوا المطي وأرخوا من أزمتها * قبل الممات وقضوا ما تقضونا
<P align=right>كنا أناسا كما كنتم فغيرنا * دهر فأنتم كما كنا تكونونا
<P align=right>قال ابن هشام : هذا ما يصح له منها . وحدثني بعض أهل العلم بالشعر : أن هذه الأبيات أول شعر قيل في العرب ، وأنها وجدت مكتوبة في حجر باليمن ، ولم يسم لي قائلها .
<P align=right>قال ابن إسحاق : ثم إن غبشان من خزاعة وليت البيت دون بنى بكر بن عبد مناة ، وكان الذي يليه منهم عمرو بن الحارث الغبشاني ، وقريش إذ ذاك حلول وصرم ، وبيوتات متفرقون في قومهم من بني كنانة ، فوليت خزاعة البيت يتوارثون ذلك كابرا عن كابر ، حتى كان آخرهم حليل بن حَبَشِيّة بن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعي .
<P align=right>قال ابن هشام : يقال حُبْشِية بن سلول .
<P align=right>تزوج قصي بن كلاب حُبىَّ بنت حليل
<P align=right>أولاد قصي وحبي
<P align=right>قال ابن إسحاق : ثم إن قصي بن كلاب خطب إلى حليل بن حبشية ابنته حبى ، فرغب فيه حُليل فزوجه ، فولدت له عبدالدار ، وعبد مناف ، وعبدالعزى ، وعبدا . فلما انتشر ولد قصي ، وكثر ماله ، وعظم شرفه ، هلك حليل .
<P align=right>مساعدة رزاح لقصي في تولي أمر البيت
<P align=right>فرأى قصي أنه أولى بالكعبة ، وبأمر مكة من خزاعة وبنى بكر ، وأن قريشا قُرعة إسماعيل بن إبراهيم وصريح ولده ؛ فكلم رجالا من قريش ، وبني كنانة ، ودعاهم إلى إخراج خزاعة وبني بكر من مكة ، فأجابوه .
<P align=right>وكان ربيعة بن حرام من عذرة بن سعد بن زيد قد قدم مكة بعدما هلك كلاب ، فتزوج فاطمة بنت سعد بن سيل ، وزهرة يومئذ رجل ، وقصي فطيم ، فاحتملها إلى بلاده ، فحملت قصيا معها ، وأقام زهرة ، فولدت لربيعة رزاحا . فلما بلغ قصي وصار رجلا أتى مكة ، فأقام بها ، فلما أجابه قومه إلى ما دعاهم إليه ، كتب إلى أخيه من أمه ، رزاح بن ربيعة ، يدعوه إلى نصرته ، والقيام معه .
<P align=right>فخرج رزاح بن ربيعة ومعه إخوته : حن بن ربيعة ، ومحمود بن ربيعة ، وجلهمة بن ربيعة ، وهم لغير أمه فاطمة ، فيمن تبعهم من قضاعة في حاج العرب ، وهم مجمعون لنصرة قصي .
<P align=right>وخزاعة تزعم أن حليل بن حبشية أوصى بذلك قصيا وأمره به حين انتشر له من ابنته من الولد ما انتشر . وقال : أنت أولى بالكعبة ، وبالقيام عليها ، وبأمر مكة من خزاعة ؛ فعند ذلك طلب قصي ما طلب . ولم نسمع ذلك من غيرهم ، فالله أعلم أي ذلك كان .
<P align=right>ما كان يليه الغوث بن مر من الإجازة للناس بالحج
<P align=right>وكان الغوث بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر يلي الإجازة للناس بالحج من عرفة ، وولده من بعده ؛ وكان يقال له ولولده صُوفة .
<P align=right>وإنما ولي ذلك الغوث بن مر ، لأن أمه كانت امرأة من جرهم ، وكانت لا تلد ، فنذرت لله إن هي ولدت رجلا أن تصدق به على الكعبة عبدا لها يخدمها ، ويقوم عليها . فولدت الغوث ، فكان يقوم على الكعبة في الدهر الأول مع أخواله من جرهم ، فولي الإجازة بالناس من عرفة ، لمكانه الذي كان به من الكعبة ، وولده من بعده حتى انقرضوا .
<P align=right>فقال مر بن أد لوفاء نذر أمه :
<P align=right>إني جعلت رب من بَنيَّه * ربيطة بمكة العليَّه
<P align=right>فباركن لي بها أليَّه * واجعله لي من صالح البريَّه
<P align=right>وكان الغوث بن مر - فيما زعموا - إذا دفع بالناس قال :
<P align=right>لاهُمَّ إني تابع تَباعه * إن كان إثم فعلى قُضاعه
<P align=right>قال ابن إسحاق : حدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير عن أبيه عباد قال :
<P align=right>كانت صوفة بالناس من عرفة ، وتجيز بهم إذا نفروا من منى ، فإذا كان يوم النفر أتوا لرمي الجمار ، ورجل من صوفة يرمي للناس ، لا يرمون حتى يرمي . فكان ذوو الحاجات المتعجلون يأتونه ، فيقولون له : قم فارم حتى نرمي معك ؛ فيقول : لا والله ، حتى تميل الشمس . فيظل ذوو الحاجات الذين يحبون التعجل يرمونه بالحجارة ، ويستعجلونه بذلك ، ويقولون له : ويلك ! قم فارم ؛ فيأبى عليهم . حتى إذا مالت الشمس قام فرمى ورمى الناس معه .
<P align=right>قال ابن إسحاق : فإذا فرغوا من رمي الجمار وأرادوا النفر من منى ، أخذت صوفة بجانبي العقبة ، فحبسوا الناس وقالوا : أجيزي صوفة ، فلم يجز أحد من الناس حتى يمروا ، فإذا نفرت صوفة ومضت خلي سبيل الناس فانطلقوا بعدهم فكانوا كذلك حتى انقرضوا ، فورثهم ذلك من بعدهم بالقُعدد بنو سعد بن زيد مناة بن تميم ، وكانت من بني سعد في آل صفوان بن الحارث بن شجنة .
<P align=right>قال ابن هشام : صفوان بن جناب بن شجنة بن عطارد بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم .
<P align=right>قال ابن إسحاق : وكان صفوان هو الذي يجيز للناس بالحج من عرفة ، ثم بنوه من بعده ، حتى كان آخرهم الذي قام عليه الإسلام ، كرب بن صفوان ، وقال أوس ابن تميم بن مغراء السعدي :
<P align=right>لا يبرح الناس ما حجوا معرفهم * حتى يقال أجيزوا آل صفوانا
<P align=right>قال ابن هشام : هذا البيت في قصيدة لأوس بن مغراء .
<P align=right>ذو الإصبع يذكر هذه الإفاضة
<P align=right>وأما قول ذي الإصبع العدواني ، واسمه حرثان ( من عدوان ) ابن عمرو ؛ وإنما سمي ذا الإصبع لأنه كان له إصبع فقطعها :
<P align=right>عذير الحي من عدوا ن * كانوا حية الأرضِ
<P align=right>بغي بعضهم ظلما * فلم يرع على بعض
<P align=right>ومنهم كانت السادا * ت والموفون بالقرض
<P align=right>ومنهم من يجيز النا س * بالسنة والفرض
<P align=right>ومنهم حكم يقضي * فلا ينقض ما يقضي
<P align=right>أبو سيارة يفيض بالناس
<P align=right>- وهذه الأبيات في قصيدة له - فلأن الإفاضة من المزدلفة كانت في عداون - فيما حدثني زياد بن عبدالله البكائي عن محمد بن إسحاق - يتوارثون ذلك كابرا عن كابر . حتى كان آخرهم الذي قام عليه الإسلام أبو سيارة ، عميلة بن الأعزل .
<P align=right>ففيه يقول شاعر من العرب :
<P align=right>نحن دفعنا عن أبي سيارهْ * وعن مواليه بني فزاره
<P align=right>حتى أجاز سالما حماره * مستقبل القبلة يدعو جاره
<P align=right>قال : وكان أبو سيارة يدفع بالناس على أتان له ، فلذلك يقول : ( سالما حماره ) .
<P align=right>أمر عامر بن ظرب بن عمرو بن عياذ بن يشكر بن عدوان
<P align=right>ابن الظرب حاكم العرب
<P align=right>قال ابن إسحاق : وقوله ( حكم يقضي ) يعني عامر بن ظرب بن عمرو بن عياذ بن يشكر بن عدوان العدواني . وكانت العرب لا يكون بينها نائرة ولا عضلة في قضاء إلا أسندوا ذلك إليه ثم رضوا بما قضى فيه .
<P align=right>فاختصم إليه في بعض ما كانوا يختلفون فيه ، في رجل خنثى ، له ما للرجل وله ما للمرأة ، فقالوا : أتجعله رجلا أو امرأة ؟ ولم يأتوه بأمر كان أعضل منه . فقال : حتى أنظر في أمركم ، فوالله ما نزل بي مثل هذه منكم يا معشر العرب ! فاستأخروا عنه .
<P align=right>فبات ليلته ساهرا ، يقلب أمره ، وينظر في شأنه ، لا يتوجه له منه وجه . وكانت له جارية يقال لها سخيلة ترعى عليه غنمه ، وكان يعاتبها إذا سرحت فيقول : صبحت والله يا سخيل ! وإذا أراحت عليه قال : مسيت والله يا سخيل ! وذلك أنها كانت تؤخر السرح حتى يسبقها بعض الناس ، وتؤخر الإراحة حتى يسبقها بعض الناس .
<P align=right>فلما رأت سهره وقلة قراره على فراشه قالت : ما لك لا أبا لك ! ما عراك في ليلتك هذه ؟ قال : ويلك ! دعيني ، أمر ليس من شأنك ؛ ثم عادت له بمثل قولها .
<P align=right>فقال في نفسه : عسى أن تأتي مما أنا فيه بفرج ؛ فقال : ويحك ! اختصم إلي في ميراث خنثى ، أأجلعه رجلا أو امرأة ؟ فوالله ما أدرى ما أصنع ، وما يتوجه لي فيه وجه . قال : فقالت : سبحان الله ! لا أبا لك ! أتبع القضاء المبال ، أقعده ، فإن بال من حيث يبول الرجل فهو رجل ، وإن بال من حيث تبول المرأة ، فهي امرأة . قال : مسِّي سخيل بعدها أو صبِّحي ، فرجتها والله . ثم خرج على الناس حين أصبح ، فقضى بالذي أشارت عليه به .
<P align=right>غلب قصي بن كلاب على أمر مكة وجمعه أمر قريش ومعونة قضاعة له
<P align=right>قال ابن إسحاق : فلما كان ذلك العام فعلت صوفة كما كانت تفعل ، وقد عرفت ذلك لها العرب ، وهو دين في أنفسهم في عهد جرهم وخزاعة وولايتهم . فأتاهم قصي بن كلاب بمن معه من قومه من قريش وكنانة وقضاعة عند العقبة ، فقال : لنحن أولى بهذا منكم ، فقاتلوه ، فاقتتل الناس قتالا شديدا ، ثم انهزمت صوفة ، وغلبهم قصي على ما كان بأيديهم من ذلك .
<P align=right>قصي يقاتل خزاعة وبني بكر و تحكيم يعمر بن عوف
<P align=right>وانحازت عند ذلك خزاعة وبنو بكر عن قصي ، وعرفوا أنه سيمنعهم كما منع صوفة ، وأنه سيحول بينهم وبين الكعبة وأمر مكة . فلما انحازوا عنه باداهم وأجمع لحربهم ، و ثبت معه أخوه رزاح بن ربيعة بمن معه من قومه من قضاعة .
<P align=right>وخرجت له خزاعة وبنو بكر فالتقوا ، فاقتتلوا قتالا شديدا بالأبطح ، حتى كثرت القتلى في الفريقين جميعا ، ثم إنهم تداعوا إلى الصلح وإلى أن يحكموا بينهم رجلا من العرب ، فحكموا يعمر بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة ؛ فقضى بينهم بأن قصيا أولى بالكعبة وأمر مكة من خزاعة ، وأن كل دم أصابه قصي من خزاعة وبني بكر ، موضوع يشدخه تحت قدميه ، وأن ما أصابت خزاعة وبنو بكر من قريش وكنانة وقضاعة ففيه الدية مؤداة ، وأن يخلَّى بين قصي وبين الكعبة ومكة .
<P align=right>سبب تسمية يعمر بالشداخ
<P align=right>فسمي يعمر بن عوف يومئذ : الشداخ ، لما شدخ من الدماء ووضع منها . قال ابن هشام : و يقال : الشُّداخ .
<P align=right>قال ابن إسحاق : فولى قصي البيت وأمر مكة ، وجمع قومه في منازلهم إلى مكة ، وتملك على قومه وأهل مكة فملكوه . إلا أنه قد أقر للعرب ما كانوا عليه ، وذلك أنه كان يراه دينا في نفسه لا ينبغي تغييره .
<P align=right>فأقر آل صفوان وعدوان والنسأة ومرة بن عوف على ما كانوا عليه ، حتى جاء الإسلام فهدم الله به ذلك كله . فكان قصي أول بني كعب بن لؤي أصاب ملكا أطاع له به قومه ، فكانت إليه الحجابة ،والسقاية ،والرفادة ، والندوة ، واللواء ، فحاز شرف مكة كله . وقطع مكة رباعا بين قومه ، فأنزل كل قوم من قريش منازلهم من مكة التي أصبحوا عليها ، ويزعم الناس أن قريشا هابوا قطع شجر الحرم في منازلهم فقطعها قصي بيده وأعوانه ، فسمته قريش مجمعا لما جمع من أمرها ،ة وتيمنت بأمره ، فما تنكح امرأة ، ولا يتزوج رجل من قريش ، وما يتشاورون في أمر نزل بهم ، ولا يعقدون لواء لحرب قوم من غيرهم إلا في داره ، يعقده لهم بعض ولده ، وما تدرع جارية إذا بلغت أن تدرع من قريش إلا في داره ، يشق عليها فيها درعها ثم تدرعه ، ثم ينطلق بها إلى أهلها .
<P align=right>فكان أمره في قومه من قريش في حياته ، ومن بعد موته ، كالدين المتبع لا يعمل بغيره . واتخذ لنفسه دار الندوة وجعل بابها إلى مسجد الكعبة ، ففيها كانت قريش تقضي أمورها .
<P align=right>قال ابن هشام : وقال الشاعر :
<P align=right>قصي لعمري كان يدعى مجمعا * به جمع الله القبائل من فهر
<P align=right>قال ابن إسحاق : حدثني عبدالملك بن راشد عن أبيه قال : سمعت السائب بن خبَّاب صاحب المقصورة يحدث ، أنه سمع رجلا يحدث عمر بن الخطاب ، وهو خليفة ، حديث قصي بن كلاب ، وما جمع من أمر قومه ، وإخراجه خزاعة وبني بكر من مكة ، وولايته البيت وأمر مكة ، فلم يرد ذلك عليه ولم ينكره .
<P align=right>شعر رزاح بن ربيعة في هذه القصة
<P align=right>قال ابن إسحاق : فلما فرغ قصي من حربه، انصرف أخوه رزاح بن ربيعة إلى بلاده بمن معه من قومه ، وقال رزاح في إجابته قصيا :
<P align=right>لما أتى من قصي رسول * فقال الرسول أجيبوا الخليلا
<P align=right>نهضنا إليه نقود الجياد * ونطرح عنا الملول الثقيلا
<P align=right>نسير بها الليل حتى الصباح * ونكمي النهار لئلا تزولا
<P align=right>فهن سراع كورد القطا * يجبن بنا من قصي رسولا
<P align=right>جمعنا من السر من أشمذين * ومن كل حي جمعنا قبيلا
<P align=right>فيا لك حلبة ما ليلة * تزيد على الألف سيبا رسيلا
<P align=right>فلما مررن على عسجد * وأسهلن من مستناخ سبيلا
<P align=right>وجاوزن بالركن من ورقان * وجاوزن بالعرج حيا حلولا
<P align=right>مررن على الحلِّ ما ذقنه * وعالجن من مر ليلا طويلا
<P align=right>ندنى من العوذ أفلاءها * إرادة أن يسترقن الصهيلا
<P align=right>فلما انتهينا إلى مكة * أبحنا الرجال قبيلا قبيلا
<P align=right>نعاورهم ثم حد السيوف * و في كل أوب خلسنا العقولا
<P align=right>نخبزهم بصلاب النسو ر * خبز القوي العزيز الذليلا
<P align=right>قتلنا خزاعة في دارها * وبكرا قتلنا وجيلا فجيلا
<P align=right>نفيناهم من بلاد المليك * كما لا يحلون أرضا سهولا
<P align=right>فأصبح سبيهم في الحديد * ومن كل حي شفينا الغليلا
<P align=right>شعر ثعلبة القضاعي في هذه القصة
<P align=right>وقال ثعلبة بن عبدالله بن ذبيان بن الحارث بن سعد بن هذيم القضاعي في ذلك من أمر قصي حين دعاهم فأجابوه :
<P align=right>جلبنا الخيل مضمرة تغالى * من الأعراف أعراف الجناب
<P align=right>إلى غورى تهامة فالتقينا * من الفيفاء في قاع يباب
<P align=right>فأما صوفة الخنثى فخلوا * منازلهم محاذرة الضراب
<P align=right>وقام بنو علي إذ رأونا * إلى الأسياف كالإبل الطراب
<P align=right>شعر قصي
<P align=right>وقال قصي بن كلاب :
<P align=right>أنا ابن العاصمين بني لؤي * بمكة منزلي وبها ربيت
<P align=right>إلى البطحاء قد علمت معد * ومروتها رضيت بها رضيت
<P align=right>فلست لغالب إن لم تأثل * بها أولاد قيذر والنبيت
<P align=right>رزاخ ناضري وبه أسامى * فلست أخاف ضيما ما حييت
<P align=right>ما كان بين رزاح و بين نهد و حوتكة ، وشعر قصي في ذلك
<P align=right>فلما استقر رزاح بن ربيعة في بلاده ، نشره الله ونشر حُنَّا ، فهما قبيلا عذرة اليوم . وقد كان بين رزاح بن ربيعة ، حين قدم بلاده ، وبين نهد ابن زيد وحوتكة بن أسلم ، وهما بطنان من قضاعة ، شيء ؛ فأخافهم حتى لحقوا باليمن وأجلوا من بلاد قضاعة ، فهم اليوم باليمن .
<P align=right>فقال قصي بن كلاب ، وكان يحب قضاعة ونماءها واجتماعها ببلادها ، لما بينه وبين رزاح من الرحم ، ولبلائهم عنده إذال أجابوه إذ دعاهم إلى نصرته ، وكره ما صنع بهم رزاح :
<P align=right>ألا من مبلغ عنى رزاحا * فإني قد لحيتك في اثنتين
<P align=right>لحيتك في بني نهد بن زيد * كما فرقت بينهم وبيني
<P align=right>وحوتكة بن أسلم إن قوما * عنوهم بالمساءة قد عنوني
<P align=right>قال ابن هشام : وتروى هذه الأبيات لزهير بن جناب الكلبي .
<P align=right>قصي يفضل عبدالدار على سائر ولده
<P align=right>قال ابن إسحاق : فلما كبر قصي ورق عظمه ، وكان عبدالدار بكره ، وكان عبد مناف قد شرف في زمان أبيه وذهب كل مذهب ، وعبدالعزى وعبد .
<P align=right>قال قصي لعبدالدار : أما والله يا بني لأُلحْقنَّك بالقوم ، وإن كانوا قد شرفوا عليك : لا يدخل رجل منهم الكعبة حتى تكون أنت تفتحها له ، ولا يعقد لقريش لواء لحربها إلا أنت بيدك ، ولا يشرب أحد بمكة إلا من سقايتك ، ولا يأكل أحد من أهل الموسم طعاما إلا من طعامك ، ولا تقطع قريش أمرا من أمورها إلا في دارك . فأعطاه داره دار الندوة ، التى لا تقضي قريش أمرا من أمورها إلا فيها ، وأعطاه الحجابة واللواء والسقاية والرفادة .
<P align=right>الرفادة
<P align=right>وكانت الرفادة خرجا تخرجه قريش في كل موسم من أموالها إلى قصي بن كلاب ، فيصنع به طعاما للحاج ، فيأكله من لم يكن له سعة ولا زاد . وذلك أن قصيا فرضه على قريش ، فقال لهم حين أمرهم به : ( يا معشر قريش ، إنكم جيران الله وأهل بيته وأهل الحرم ، وإن الحاج ضيف الله وزوار بيته ، وهم أحق الضيف بالكرامة ، فاجعلوا لهم طعاما وشرابا أيام الحج ، حتى يصدروا عنكم ففعلوا . فكانوا يخرجون لذلك كل عام من أموالهم خرجا فيدفعونه إليه ، فيصنعه طعاما للناس أيام منى . فجرى ذلك من أمره في الجاهلية على قومه حتى قام الإسلام ، ثم جرى في الإسلام إلى يومك هذا ، فهو الطعام الذي يصنعه السلطان كل عام بمنى للناس حتى ينقضي الحج ) .
<P align=right>قال ابن إسحاق : حدثني بهذا من أمر قصي بن كلاب ، وما قال لعبدالدار فيما دفع إليه مما كان بيده ، أبو إسحاق بن يسار ، عن الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم قال : سمعته يقول ذلك لرجل من بني عبدالدار ، يقال له : نبيه بن وهب بن عمر بن عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبدالدار بن قصي .
قال الحسن : فيجعل إليه قصي كل ما كان بيده من أمر قومه ، وكان قصي لا يخالف ، ولا يرد عليه شيء صنعه
كتاب سيرة ابن هشام عن (السيرة النبويه )